29 - 06 - 2024

اقرأنى لترانى| الخنزير والحظيرة!

اقرأنى لترانى| الخنزير والحظيرة!

 أثار حادث تعذيب كلب وذبحه فى شارع الهرم بشبرا الخيمة منذ أيام حفيظة آلاف من المصريين، خاصة مستخدمى مواقع التواصل الاجتماعى منهم ممن رأوا فيه ترديًا جديدًا فى حالة أخلاقنا العامة، وتدافعت التعليقات والحالات لتشجب وتصف من قاموا بالفعل بأنهم دواعش محليين أو مرضى نفسيين، وبات من بات مغمومًا وصحى من صحى مفزوعًا، وأنا منهم، ولم تفلح محاولاتى فى أن أتجاهل الأمر وأنا أراه يحاصرنى فى كل مكان أهرب فيه، فقررت أن أفهم، لم أر الفيديو بالطبع لأن ما قرأته من وصف كان كفيلًا بأن يعتصر قلبى، لكننى بعد أن قرأت، سألت صديقى د. أحمد أبو الوفا، أخصائى الصحة النفسية وتلميذ العظيم د. يحيى الرخاوى، والذى أعلم أن ممارسته للطب النفسى لم تبدأ من الحجرات المكيفة بل بدأت من قلب مستشفى حكومى عام رأى فيه "مصارين" مصر المتصارعة، جاءنى صوته شارحًا: "علينا أن نفهم ماهى طبيعة المنطقة التى تم فيها مثل هذا الحادث، هل شاهدتِ مسلسل حدائق الشيطان لجمال سليمان؟ هل تتذكرين أن بالمسلسل حيوان ما، لم يتم الإفصاح عنه لكنه كان نوعًا ما من الحيوانات المفترسة للغاية، كان البطل يجوعه ثم يلقى إليه بخصومه ليلتهمهم أحياء إن أراد الخلاص منهم؟ هنا كان الحيوان أداة تعذيب وتخويف لغيره، كذلك فى قصتنا الجديدة هذه، الكلب هنا  فى هذه القصة لم يكن حيوانًا وروحًا من أرواح ربنا بالنسبة لمعذبيه، بل كان أداة للتعذيب أهدر فيها كرامتهم ونهش أعضاءهم، وفى الأحياء الشعبية لابد من أخذ سلاح الخصم، هذه هى الطريقة الوحيدة "للتعليم عليه"، ولرد الرجولة والكرامة، وقد كان، هذه هى القواعد التى تحكم الحياة فى المناطق الشعبية، العين بالعين والسن بالسن والبادى أظلم، ولا تراجع ولا استسلام،ولا قانون غير قانون القوة".

وحين سألته عن تأثير الأفلام والمسلسلات التى تناقش العشوائيات وأخلاق من فيها وقوانين القوة التى تحكمها من أمثال "حلاوة روح" و"عبده موتة" كان هذا  تفسيره "هذه المسلسلات لا تضيف جديدًا لمن تمثلهم، لكنها تخلق جمهورًا جديدًا من آخر آخر قاع الطبقة الوسطى يرى فى قوانينها سحرًا خاصًا، يعوضه ميوعة حياته وافتقادها لأى أمل والتباس الألوان فيها، فى العشوائيات لايوجد نفاق، بل هو الأبيض أو الأسود، الضعف بوضوحه أو القوة بسحرها وضماناتها، تم التعامل هنا مع الكلب على أنه شىء، أداة، جماد، لا أكثر ولا أقل، وتم تفريغ غضب الرجولة المهدرة عليه، أنا لا أبرر الوحشية على الإطلاق، أنا فقط أود أن أنقل الصورة كاملة، محاولة تطبيق قوانين تحكم الطبقة المتوسطة والأثرياء على العشوائيات وكل ما ستٌطنطن به جمعيات حقوق الحيوان، التى ستتفنن فى فضحنا ستكون مثل  أفعال أمريكا المعتادة التى تملأ الدنيا ضجيجًا بكلامها عن الحريات والديموقراطيات فى بلاد بعيدة لا تعلم عنها شيئًا، ثم تذهب لتطيح بمن يمسكها ويحكم قوانينها فتعدم صدام حسين مثلا، فما الذى حل بالعراق من بعده؟هل اختفى العنف أم زاد؟"

لم أسأل د. أحمد كيف يمكن تغيير الوضع، ولم يتطوع هو بأى جملة توحى بأنه يعرف أو يود أن يقول إن كان يعرف، كل مادار بذهنى وقتها هو جملة قرأتها فى كتاب نقدى عن حياة البائسين فى العشوائيات فى إنجلترا فى وقت الملكة فكتوريا فى القرن التاسع عشر، فى قمة مجد الثورة الصناعية، واستعباد عمال المصانع حتى الأطفال دون السادسة. وقتها قال الناقد إن روايات ديكنز تناقش أسئلة مهمة مثل "هل توجد الحظيرة بسبب الخنزير، أم يولد الخنزير بسبب الحظيرة؟ من منهما يتسبب فى وجود الآخر؟" ولا أجدنى أعرف الإجابة بعد قرنين من الزمان. 

##

مقالات اخرى للكاتب

مصر تدين قرار الحكومة الصهيونية شرعنة خمس بؤر استيطانية جديدة في الضفة الغربية





اعلان